فصل: (بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجوهرة النيرة (نسخة منقحة)



.(بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ):

اعْلَمْ أَنَّ الْبَيْعَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: بَيْعٍ جَائِزٍ وَبَيْعٍ فَاسِدٍ وَبَيْعٍ بَاطِلٍ وَبَيْعٍ مَوْقُوفٍ عَلَى الْإِجَازَةِ.
فَالْجَائِزُ يُوقِعُ الْمِلْكَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ إذَا كَانَ خَالِيًا عَنْ شَرْطِ الْخِيَارِ، وَالْفَاسِدُ لَا يُوقِعُ الْمِلْكَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ، وَالْبَاطِلُ لَا يُوقِعُهُ، وَإِنْ قَبَضَ بِالْإِذْنِ، وَالْمَوْقُوفُ لَا يُوقِعُهُ، وَإِنْ قَبَضَ إلَّا بِإِجَازَةِ مَالِكِهِ، وَإِنَّمَا لُقِّبَ الْبَابُ بِالْفَاسِدِ دُونَ الْبَاطِلِ مَعَ أَنَّهُ ابْتَدَأَ بِالْبَاطِلِ بِقَوْلِهِ كَالْبَيْعِ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ لِأَنَّ الْفَاسِدَ أَعَمُّ مِنْ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مَوْجُودٌ فِي الْبَاطِلِ، وَالْفَاسِدَ بِخِلَافِ الْبَاطِلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ الْأَدْنَى يُوجَدُ فِي الْأَعْلَى لَا الْعَكْسُ؛ إذْ كُلُّ بَاطِلٍ فَاسِدٌ وَلَيْسَ كُلُّ فَاسِدٍ بَاطِلًا، وَالْفَاسِدُ أَدْنَى الْحُرْمَتَيْنِ فَكَانَ مَوْجُودًا فِي الصُّورَتَيْنِ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: تَعَالَى: (إذَا كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ مُحَرَّمًا، أَوْ كِلَاهُمَا مُحَرَّمًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) أَيْ بَاطِلٌ (كَالْبَيْعِ بِالْمَيْتَةِ، أَوْ بِالدَّمِ، أَوْ بِالْخِنْزِيرِ، أَوْ بِالْخَمْرِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ) أَحَدُهُمَا (غَيْرَ مَمْلُوكٍ كَالْحُرِّ) هَذِهِ فُصُولٌ جَمَعَهَا، وَفِيهَا تَفْصِيلٌ فَنَقُولُ الْبَيْعُ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ بَاطِلٌ وَكَذَا بِالْحُرِّ لِانْعِدَامِ رُكْنِ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُعَدُّ مَالًا عِنْدَ أَحَدٍ، وَالْبَيْعُ بِالْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ فَاسِدٌ لِوُجُودِ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَإِنَّهُ مَالٌ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْبَاطِلُ لَا يُفِيدُ مِلْكَ التَّصَرُّفِ، وَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَكُونُ أَمَانَةً عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ يَعْنِي أَنَّ الْبَاطِلَ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ وَلَوْ وُجِدَ الْقَبْضُ بِالْإِذْنِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ لَا يُعْتَقُ وَعِنْدَ الْبَعْضِ يَكُونُ مَضْمُونًا فَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّانِي قَوْلُهُمَا وَكَذَا بَيْعُ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، وَالْخِنْزِيرِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَمْوَالًا فَلَا تَكُونُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ وَكَذَا مَا ذَبَحَ الْمُحْرِمُ مِنْ الصَّيْدِ وَمَا ذَبَحَ الْحَلَالُ فِي الْحَرَمِ مِنْ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّ ذَبِيحَتَهُ مَيْتَةٌ، وَأَمَّا بَيْعُ الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ إنْ كَانَ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ حَتَّى يَمْلِكَ مَا يُقَابِلُهُمَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ عَيْنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَقَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ غَيْرَ مَمْلُوكٍ كَالْحُرِّ يَعْنِي أَنَّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ وَلَا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ.
قَوْلُهُ: (وَبَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ، وَالْمُدَبَّرِ، وَالْمُكَاتَبِ فَاسِدٌ) مَعْنَاهُ بَاطِلٌ، وَالْمُرَادُ بِالْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ رَضِيَ الْمُكَاتَبُ بِالْبَيْعِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَظْهَرُ الْجَوَازُ يَعْنِي إذَا بِيعَ بِرِضَاهُ أَمَّا إذَا بِيعَ بِغَيْرِ رِضَاهُ، ثُمَّ أَجَازَهُ فَإِنَّ الْعَقْدَ لَا يَجُوزُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا بِيعَ بِرِضَاهُ تَضَمَّنَ رِضَاهُ فَسْخَ الْكِتَابَةِ سَابِقًا عَلَى الْعَقْدِ فَوُجِدَ شَرْطُ صِحَّةِ الْعَقْدِ أَمَّا إذَا أَجَازَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَمْ يَتَضَمَّنْ رِضَاهُ فَسْخَ الْكِتَابَةِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَلَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ وَكَذَا الَّذِي أُعْتِقَ بَعْضُهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ بَاقِيهِ وَكَذَا وَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَكَذَا وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ؛ لِأَنَّهُ مُدَبَّرٌ وَكَذَا وَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي كِتَابَةِ أُمِّهِ فَإِنْ مَاتَتْ أُمُّ الْوَلَدِ، أَوْ الْمُدَبَّرَةُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَقِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا عَلَى الْأَصَحِّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقِيمَة أُمِّ الْوَلَدِ ثُلُثُ قِيمَتِهَا قِنًّا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَالِاسْتِسْعَاءَ قَدْ انْتَفَيَا عَنْهَا وَبَقِيَ مِلْكُ الْإِعْتَاقِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يَصْطَادَهُ وَلَا بَيْعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا بَاعَ سَمَكًا فِي حَوْضٍ إنْ كَانَ لَمْ يَأْخُذْهُ قَطُّ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَا يَمْلِكُ، وَإِنْ أَخَذَهُ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ جَازَ الْبَيْعُ إنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْ غَيْرِ صَيْدٍ وَلِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ إلَّا بِحِيلَةٍ وَاصْطِيَادٍ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَّا إذَا قُدِرَ عَلَى التَّسْلِيمِ وَهَذَا قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ أَمَّا عِنْدَ أَهْلِ بَلْخِي فَلَا يَجُوزُ، وَإِنْ قُدِرَ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَأَمَّا بَيْعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ فَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ قَبْلَ الْأَخْذِ، وَإِنْ أُرْسِلَ مِنْ يَدِهِ فَغَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ وَلَوْ بَاعَ طَائِرًا يَذْهَبُ وَيَجِيءُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَفِي قَاضِي خَانْ إنْ كَانَ رَاجِيًا أَنَّهُ يَعُودُ إلَى بَيْتِهِ وَيَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا، وَأَمَّا بَيْعُ الْآبِقِ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ، أَوْ كَانَ عِنْدَهُ فِي مَنْزِلِهِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ إلَّا بِخُصُومَةٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَفِي الْكَرْخِيِّ بَيْعُهُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ عَقِيبَ الْعَقْدِ فَهُوَ كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ، وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إنَّمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى حَالِ إبَاقِهِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَإِنْ ظَهَرَ، أَوْ سَلَّمَهُ جَازَ وَأَيُّهُمَا امْتَنَعَ إمَّا الْبَائِعُ عَنْ التَّسْلِيمِ، أَوْ الْمُشْتَرِي عَنْ الْقَبْضِ أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى بَيْعٍ جَدِيدٍ وَقَالَ أَهْلُ بَلْخِي يُحْتَاجُ إلَى بَيْعٍ جَدِيدٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحَمْلِ وَلَا النِّتَاجِ) النِّتَاجُ مَا سَيَحْمِلُهُ الْجَنِينُ، ثُمَّ بَيْعُ الْحَمْلِ لَا يَجُوزُ دُونَ أُمِّهِ وَلَا الْأُمِّ دُونَهُ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يُدْرَى أَمَوْجُودٌ هُوَ، أَوْ مَعْدُومٌ فَلَوْ بَاعَهُ وَوَلَدَتْهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَسَلَّمَهُ لَا يَجُوزُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا بَيْعُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ)؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ فَعَسَاهُ انْتِفَاخًا وَرُبَّمَا يَزْدَادُ فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ مِنْهُ بِغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ)؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْقَطْعِ عَنْهُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ فَيَقَعُ التَّنَازُعُ فِي مَوْضِعِ الْقَطْعِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ بَيْعَ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَالصُّوفِ عَلَى الظَّهْرِ لَا يَجُوزُ فَلَوْ سَلَّمَ ذَلِكَ الْبَائِعُ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا جَمِيعًا وَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا وَكَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللُّؤْلُؤِ فِي الصَّدَفِ وَلَوْ اشْتَرَى دَجَاجَةً فَوَجَدَ فِي بَطْنِهَا لُؤْلُؤَةً فَهِيَ لِلْبَائِعِ وَلَوْ اشْتَرَى شَاةً مَذْبُوحَةً لَمْ تُسْلَخْ وَبَاعَ كِرْشَهَا جَازَ وَيَكُونُ إخْرَاجُهُ عَلَى الْبَائِعِ وَيَكُونُ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ كَذَا فِي الْعُيُونِ.
قَوْلُهُ: (وَذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ وَجِذْعٍ مِنْ سَقْفٍ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّسْلِيمُ إلَّا بِضَرَرٍ فَلَوْ قَطَعَ الْبَائِعُ الذِّرَاعَ، أَوْ قَلَعَ الْجِذْعَ قَبْلَ أَنْ يَفْسَخَ الْمُشْتَرِي يَعُودُ صَحِيحًا لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ النَّوَى فِي التَّمْرِ، وَالْبِزْرَ فِي الْبِطِّيخِ حَيْثُ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا، وَإِنْ شَقَّهُمَا وَأَخْرَجَ الْمَبِيعَ؛ لِأَنَّ فِي وُجُودِهِمَا احْتِمَالًا أَمَّا الْجِذْعُ عَيْنٌ مَوْجُودَةٌ بِخِلَافِ الصُّوفِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِالتَّسْلِيمِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ تَسْلِيمُهُ بِالنَّتْفِ، أَوْ بِالْجَزِّ فَبِالنَّتْفِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِالْحَيَوَانِ وَبِالْجَزِّ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ وَقَدْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ فَيُحْتَاجُ إلَى نَتْفِهِ، وَفِيهِ ضَرَرٌ بِالْحَيَوَانِ.
قَوْلُهُ: (وَضَرْبَةِ الْغَائِصِ) وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّيْدِ بِضَرْبِ الشَّبَكَةِ مَرَّةً؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَفِيهِ غَرَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَحْصُلُ لَهُ شَيْءٌ أَمْ لَا ؟ وَصُورَتُهُ أَنْ يُبَايِعَهُ عَلَى أَنْ يَضْرِبَ لَهُ ضَرْبَةً فِي الْمَاءِ بِالشَّبَكَةِ فَمَا خَرَجَ فِيهَا مِنْ الصَّيْدِ فَهُوَ لَهُ بِكَذَا فَهَذَا لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَالْغَائِصُ صَيَّادُ الْبَحْرِ، وَالْقَانِصُ صَيَّادُ الْبَرِّ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُزَابَنَةِ وَهُوَ بَيْعُ الثَّمَرِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ بِخَرْصِهِ تَمْرًا) الْمُزَابَنَةُ الْمُدَافَعَةُ مِنْ الزَّبْنِ وَهُوَ الدَّفْعُ وَسُمِّيَ هَذَا بِهَا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَالدِّفَاعِ وَقَوْلُهُ " وَهُوَ بَيْعُ الثَّمَرِ " بِثَلَاثِ نُقَطٍ مِنْ فَوْقُ، وَقَوْلُهُ " بِخَرْصِهِ تَمْرًا " بِنُقْطَتَيْنِ؛ لِأَنَّ مَا عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ لَا يُسَمَّى تَمْرًا بَلْ يُسَمَّى رُطَبًا وَبُسْرًا وَإِنَّمَا يُسَمَّى تَمْرًا إذَا كَانَ مَجْذُوذًا بَعْدَ الْجَفَافِ، وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ هَذَا الْبَيْعُ لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُحَاقَلَةِ فَالْمُزَابَنَةُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَالْمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِحِنْطَةٍ مِثْلِ كَيْلِهَا خَرْصًا وَلِأَنَّهُ بَاعَ مَكِيلًا بِمَكِيلٍ مِنْ جِنْسِهِ بِطَرِيقِ الْخَرْصِ فَلَا يَجُوزُ لِشُبْهَةِ الرِّبَا وَالشُّبْهَةُ فِي بَابِ الرِّبَا مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فِي التَّحْرِيمِ وَكَذَلِكَ الْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ عَلَى هَذَا.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِإِلْقَاءِ الْحَجَرِ، وَالْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ) هَذِهِ بُيُوعٌ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقَدْ نَهَى الشَّارِعُ عَنْهَا أَمَّا الْبَيْعُ بِإِلْقَاءِ الْحَجَرِ وَيُسَمَّى بَيْعَ الْحَصَاةِ فَكَانَ الرَّجُلَانِ يَتَسَاوَمَانِ فِي السِّلْعَةِ فَإِذَا وَضَعَ الطَّالِبُ عَلَيْهَا حَجَرًا، أَوْ حَصَاةً تَمَّ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ صَاحِبُهَا، وَأَمَّا بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ فَكَانَا يَتَرَاوَدَانِ عَلَى السِّلْعَةِ فَإِذَا لَمَسَهَا الْمُشْتَرِي كَانَ ذَلِكَ ابْتِيَاعًا لَهَا رَضِيَ مَالِكُهَا، أَوْ لَمْ يَرْضَ، وَأَمَّا الْمُنَابَذَةُ فَكَانَا يَتَرَاوَدَانِ عَلَى السِّلْعَةِ فَإِنْ أَحَبَّ مَالِكُهَا أَنْ يُلْزِمَ الْمُشْتَرِيَ الْبَيْعَ نَبَذَ السِّلْعَةَ إلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ الْبَيْعُ رَضِيَ، أَوْ لَمْ يَرْضَ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ ثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ) وَكَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ ثَوْبٍ مِنْ ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَجْهُولٌ وَكَذَا بَيْعُ عَبْدٍ مِنْ عَبْدَيْنِ، أَوْ مِنْ ثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ وَكَذَا فِي الْأَشْيَاءِ الْمُتَفَاوِتَةِ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَالْخِفَافِ وَالنِّعَالِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي، أَوْ يُدَبِّرَهُ، أَوْ يُكَاتِبَهُ، أَوْ أَمَةً عَلَى أَنْ يَسْتَوْلِدَهَا الْمُشْتَرِي فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ وَشَرْطٌ وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ، ثُمَّ هَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: فِي وَجْهٍ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ كِلَاهُمَا جَائِزَانِ، وَفِي وَجْهٍ كِلَاهُمَا فَاسِدَانِ، وَفِي وَجْهٍ الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ؛ فَالْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ مِمَّا يَرْجِعُ إلَى بَيَانِ صِفَةِ الثَّمَنِ، أَوْ الْمَبِيعِ فَصِفَةُ الثَّمَنِ أَنْ يَبِيعَ عَبْدَهُ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّهَا نَقْدُ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ مُؤَجَّلَةٌ، وَأَمَّا صِفَةُ الْمَبِيعِ فَهُوَ أَنْ يَبِيعَ جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا طَبَّاخَةٌ، أَوْ خَبَّازَةٌ، أَوْ بِكْرٌ، أَوْ ثَيِّبٌ، أَوْ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ كَاتِبٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ شُرُوطٌ يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي كِلَاهُمَا فَاسِدَانِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ مِمَّا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، أَوْ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْخُصُومَةِ وَلَيْسَ لِلنَّاسِ فِيهِ تَعَامُلٌ نَحْوَ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَوْبًا بِشَرْطِ الْخِيَاطَةِ، أَوْ حِنْطَةً بِشَرْطِ الْحَمْلِ إلَى مَنْزِلِهِ، أَوْ ثَمَرَةً بِشَرْطِ الْجَذَاذِ عَلَى الْبَائِعِ، أَوْ رَطْبَةً بِشَرْطِ الْجَذَاذِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُشْتَرِي.
وَكَذَا إذَا كَانَ الشَّرْطُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْبَائِعِ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ دَارًا بِشَرْطِ أَنْ يَسْكُنَهَا الْبَائِعُ شَهْرًا أَوْ أَرْضًا بِشَرْطِ أَنْ يَزْرَعَهَا الْبَائِعُ سَنَةً، أَوْ دَابَّةً بِشَرْطِ أَنْ يَرْكَبَهَا، أَوْ ثَوْبًا بِشَرْطِ أَنْ يَلْبَسَهُ شَهْرًا، أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ الْمُشْتَرِي دَرَاهِمَ وَكَذَا إذَا كَانَ فِي الشَّرْطِ مَنْفَعَةٌ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْخُصُومَةِ نَحْوُ أَنْ يَبِيعَ عَبْدًا بِشَرْطِ الْعِتْقِ، أَوْ التَّدْبِيرِ، أَوْ جَارِيَةً بِشَرْطِ الِاسْتِيلَادِ.
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: إذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِشَرْطِ الْعِتْقِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فَإِذَا قَبَضَهُ وَأَعْتَقَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمُسَمَّى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانًا وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ التَّدْبِيرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ عَلَى الْفَسَادِ ثُمَّ يَنْقَلِبُ إلَى الْجَوَازِ بِالْعِتْقِ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ فَهُوَ أَنْ يَبِيعَ طَعَامًا عَلَى أَنْ لَا يَأْكُلَهُ الْمُشْتَرِي، أَوْ الدَّابَّةَ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهَا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَلَوْ شَرَطَ الْمَضَرَّةَ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَخْرِقَهُ، أَوْ جَارِيَةً عَلَى أَنْ لَا يَطَأَهَا، أَوْ دَارًا عَلَى أَنْ يَهْدِمَهَا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْبَيْعُ فَاسِدٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً بِشَرْطِ أَنْ يَطَأَهَا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهَا عَلَى أَنْ يَطَأَهَا، أَوْ لَا يَطَأَهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِيهِمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ جَائِزٌ فِيهِمَا وَأَبُو يُوسُفَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: إذَا بَاعَهَا بِشَرْطِ الْوَطْءِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَبِشَرْطِ أَنْ لَا يَطَأَهَا فَاسِدٌ.
قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ الْبَائِعُ شَهْرًا، أَوْ دَارًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا شَهْرًا، أَوْ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ الْمُشْتَرِي دَرَاهِمَ، أَوْ عَلَى أَنْ يُهْدِيَ لَهُ هَدِيَّةً) فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخِدْمَةُ وَالسُّكْنَى يُقَابِلُهُمَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ تَكُونُ إجَارَةً فِي بَيْعٍ وَلَوْ كَانَ لَا يُقَابِلُهُمَا شَيْءٌ يَكُونُ إعَارَةً فِي بَيْعٍ وَقَدْ {نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَنَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ عَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ وَعَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَعَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَعَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ وَعَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ}، أَمَّا بَيْعٌ وَشَرْطٌ فَهُوَ أَنْ يَبِيعَ بِشَرْطٍ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَأَمَّا نَهْيُهُ عَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ فَهُوَ أَنْ يَبِيعَ عَبْدًا بِأَلْفٍ إلَى سَنَةٍ، أَوْ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ إلَى سَنَتَيْنِ وَلَمْ يَثْبُتْ الْعَقْدُ عَلَى أَحَدِهِمَا، أَوْ يَقُولَ: عَلَى إنْ أَعْطَيْتَنِي الثَّمَنَ حَالًّا فَبِأَلْفٍ، وَإِنْ أَخَّرْتَهُ إلَى شَهْرٍ فَبِأَلْفَيْنِ، أَوْ أَبِيعُكَ بِقَفِيزِ حِنْطَةٍ، أَوْ بِقَفِيزَيْ شَعِيرٍ فَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَجْهُولٌ عِنْدَ الْعَقْدِ وَلَا يَدْرِي الْبَائِعُ أَيَّ الثَّمَنَيْنِ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ، وَأَمَّا صَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ أَنْ يَقُولَ: أَبِيعُك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي هَذَا الْفَرَسَ بِأَلْفٍ وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَبِيعَ ثَوْبًا بِشَرْطِ الْخِيَاطَةِ، أَوْ حِنْطَةً بِشَرْطِ الْحَمْلِ إلَى مَنْزِلِهِ فَقَدْ جَعَلَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ بَدَلًا لِلْعَيْنِ وَالْعَمَلِ فَمَا حَاذَى الْعَيْنَ يَكُونُ بَيْعًا وَمَا حَاذَى الْعَمَلَ يَكُونُ إجَارَةً فَقَدْ جَمَعَ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ، وَأَمَّا نَهْيُهُ عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ فَهُوَ أَنْ يَبِيعَ بِشَرْطِ الْقَبْضِ، أَوْ الْهِبَةِ، وَأَمَّا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ فَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا فَيُوهَبَ لَهُ هِبَةٌ قَبْلَ الْقَبْضِ، أَوْ اكْتَسَبَ كَسْبًا قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ أَوْ مِنْ خِلَافِهِ، فَقَبَضَ الْعَبْدَ مَعَ هَذِهِ الزَّوَائِدِ لَا يَطِيبُ لَهُ الزَّوَائِدُ؛ لِأَنَّهُ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَأَمَّا نَهْيُهُ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَقْبِضْ يَعْنِي فِي الْمَنْقُولَاتِ، وَأَمَّا نَهْيُهُ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ فَهُوَ أَنْ يَبِيعَ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ، ثُمَّ مَلَكَهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي السَّلَمِ فَإِنَّهُ رُخِّصَ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ عَيْنًا عَلَى أَنْ لَا يُسَلِّمَهَا إلَى شَهْرٍ، أَوْ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ)؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِلْبَائِعِ فِي تَأْجِيلِ الْمَبِيعِ، وَفِيهِ شَرْطُ نَفْيِ التَّسْلِيمِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ جَارِيَةً إلَّا حَمْلَهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) الِاسْتِثْنَاءُ لِمَا فِي الْبُطُونِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَرَاتِبَ: فِي وَجْهٍ الْعَقْدُ فَاسِدٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ فَاسِدٌ، وَفِي وَجْهٍ الْعَقْدُ جَائِزٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ فَاسِدٌ وَفِي وَجْهٍ كِلَاهُمَا جَائِزَانِ أَمَّا الَّذِي كِلَاهُمَا فَاسِدَانِ فَهُوَ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ، وَالْكِتَابَةُ وَالرَّهْنُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ يُبْطِلُهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ وَاسْتِثْنَاءُ مَا فِي الْبَطْنِ بِمَنْزِلَةِ شَرْطٍ فَاسِدٍ، وَأَمَّا الَّذِي يَجُوزُ الْعَقْدُ فِيهِ وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ فَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالنِّكَاحُ، وَالْخُلْعُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَا يُبْطِلُهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ وَيَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ الْأُمُّ، وَالْوَلَدُ جَمِيعًا وَكَذَا الْمُعْتِقُ إذَا أَعْتَقَ الْجَارِيَةَ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا صَحَّ الْعِتْقُ وَلَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ يَعْنِي أَنَّهَا تُعْتَقُ هِيَ وَحَمْلُهَا، وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي كِلَاهُمَا جَائِزَانِ فَالْوَصِيَّةُ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَارِيَةٍ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ وَتَكُونُ الْجَارِيَةُ لِلْمُوصَى لَهُ وَمَا فِي بَطْنِهَا لِلْوَرَثَةِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَقْطَعَهُ الْبَائِعُ وَيَخِيطَهُ قَمِيصًا، أَوْ قَبَاءً، أَوْ نَعْلًا عَلَى أَنْ يَحْذُوَهَا، أَوْ يُشْرِكَهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) مَعْنَى يَحْذُوهَا يَقْطَعُهَا مِنْ الْجِلْدِ وَيَعْمَلُهَا؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِهِمَا.
قَوْلُهُ: (وَالْبَيْعُ إلَى النَّيْرُوزِ، وَالْمِهْرَجَانِ وَصَوْمِ النَّصَارَى وَفِطْرِ الْيَهُودِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْمُتَبَايِعَانِ ذَلِكَ فَاسِدٌ) النَّيْرُوزُ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ الصَّيْفِ وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ تَحِلُّ الشَّمْسُ فِيهِ الْحَمَلَ، وَالْمِهْرَجَانُ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ الشِّتَاءِ وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ تَحِلُّ فِيهِ الشَّمْسُ الْمِيزَانَ فَإِنْ قِيلَ لِمَ خَصَّ الصَّوْمَ بِالنَّصَارَى، وَالْفِطْرَ بِالْيَهُودِ قِيلَ؛ لِأَنَّ صَوْمَ النَّصَارَى غَيْرُ مَعْلُومٍ وَفِطْرَهُمْ مَعْلُومٌ، وَالْيَهُودُ بِعَكْسِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَى الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَالْقِطَافِ وَقُدُومِ الْحَاجِّ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ آجَالٌ تَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ فَتَصِيرُ مَجْهُولَةً وَلَوْ كَفَلَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ مُحْتَمَلَةٌ فِي الْكَفَالَةِ وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ يَسِيرَةٌ يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهَا بِإِزَالَةِ جَهَالَتِهَا، ثُمَّ الْجَهَالَةُ الْيَسِيرَةُ هِيَ مَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِيهَا فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ أَمَّا إذَا اخْتَلَفَتْ فِي وُجُودِهَا كَهُبُوبِ الرِّيَاحِ كَانَتْ فَاحِشَةً وَلِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ فِي أَصْلِ الدَّيْنِ بِأَنْ يَكْفُلَ بِمَا ذَابَ عَلَى فُلَانٍ أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ فَفِي الْوَصْفِ أَوْلَى بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ فِي أَصْلِ الثَّمَنِ فَكَذَا فِي وَصْفِهِ، وَإِنْ بَاعَ مُطْلَقًا، ثُمَّ أَجَّلَ الثَّمَنَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ جَازَ؛ لِأَنَّ هَذَا تَأْجِيلُ الدَّيْنِ وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ فِيهِ مُحْتَمَلَةٌ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ وَلَا كَذَلِكَ اشْتِرَاطُهُ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَرَاضَيَا بِإِسْقَاطِ الْأَجَلِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ النَّاسُ فِي الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ، وَالْقِطَافِ وَقُدُومِ الْحَاجِّ جَازَ).
وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا وَلَنَا أَنَّ الْفَسَادَ لِلْمُنَازَعَةِ وَقَدْ ارْتَفَعَتْ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ فِي شَرْطٍ زَائِدٍ لَا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ فَيُمْكِنُ إسْقَاطُهُ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِإِذْنِ الْبَائِعِ - وَفِي الْعَقْدِ عِوَضَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُوَ مَالٌ - مَلَكَ الْمَبِيعَ وَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْعِوَضُ مِمَّا لَهُ قِيمَةٌ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ: إذَا قَالَ أَبِيعُك بِمَا تَرْعَى إبِلِي فِي أَرْضِك، أَوْ بِمَا تَشْرَبُ مِنْ مَاءِ بِئْرِك أَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَبِيعَ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى فِي مُقَابَلَتِهِ مَالًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ الْحَشِيشَ، أَوْ اسْتَقَى الْمَاءَ فِي إنَاءٍ جَازَ بَيْعُهُ فَاشْتَمَلَ الْعَقْدُ عَلَى عِوَضَيْنِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَكَذَا إذَا بَاعَهُ وَسَكَتَ عَنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَقْتَضِي الْعِوَضَ فَإِذَا سَكَتَ عَنْهُ ثَبَتَتْ الْقِيمَةُ وَهِيَ مَالٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ: أَبِيعُك بِغَيْرِ ثَمَنٍ؛ لِأَنَّهُ نَفْيُ الْعِوَضِ، وَالْبَيْعُ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَيْسَ بِبَيْعٍ وَقَوْلُهُ: مَلَكَ الْمَبِيعَ قَالَ بَعْضُهُمْ الْمُشْتَرِي لَا يَمْلِكُ الْعَيْنَ لَكِنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَقَالَ مَشَايِخُ بَلْخِي: يَمْلِكُ الْعَيْنَ، وَالْمُخْتَارُ مَا ذَكَرَهُ مَشَايِخُ بَلْخِي؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَعْتَقَهُ ثَبَتَ الْوَلَاءُ مِنْهُ دُونَ الْبَائِعِ وَلَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي فَالثَّمَنُ لَهُ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ لِبَائِعِهِ، وَإِذَا كَانَ الْمُشْتَرَى دَارًا فَبِيعَتْ دَارٌ إلَى جَنْبِهَا ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ لِلْمُشْتَرِي وَلَوْ كَانَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْبَائِعُ لَمْ يُعْتَقْ، وَإِنْ فُسِخَ الْبَيْعُ بَعْدَ ذَلِكَ وَرَدَّ عَلَيْهِ الْعَبْدَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ مَلَكَ الْعَيْنَ.
وَوَجْهُ قَوْلِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ كَانَ طَعَامًا مَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ جَارِيَةً لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا وَلَوْ اسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ وَلَوْ كَانَتْ دَارًا لَا تَجِبُ فِيهَا شُفْعَةُ الشَّفِيعِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ وَلَا حُجَّةَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ فِيمَا ذَكَرُوهُ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ، وَالْحُرْمَةَ لَيْسَا مِنْ الْمِلْكِ فِي شَيْءٍ أَلَا تَرَى أَنَّ رِبْحَ مَا لَمْ يُضْمَنْ مَمْلُوكٌ لِمَنْ اسْتَفَادَهُ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ مَلَك جَارِيَةً وَهِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ، أَوْ بَيْنَهُمَا مُصَاهَرَةٌ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الشُّفْعَةُ لِلشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهَا وَالشُّفْعَةُ إنَّمَا تَجِبُ بِانْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ لَا بِثُبُوتِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِبَيْعِ دَارِهِ تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي جَاحِدًا وَمِنْ فَوَائِدِ قَوْلِهِ مَلَكَ الْمَبِيعَ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَهُ الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ قُطِعَ وَقَوْلُهُ وَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ يَعْنِي يَوْمَ الْقَبْضِ وَهَذَا إذَا كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِنَفْسِهِ بِالْقَبْضِ فَشَابَهَ الْغَصْبَ، وَالْقَوْلُ بِالْقِيمَةِ وَالْمِثْلِ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ وَقَوْلُهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ هَذَا إذَا كَانَ قَبْلَ قَبْضِ الْبَائِعِ الثَّمَنَ أَمَّا إذَا قَبَضَ الثَّمَنَ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِذْنِ.
قَوْلُهُ: (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَسْخُهُ) هَذَا إذَا لَمْ يَزْدَدْ الْمَبِيعُ أَمَّا إذَا ازْدَادَ وَكَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً غَيْرَ حَادِثَةٍ مِنْهُ انْقَطَعَ حَقُّ الْفَسْخِ - مِثْلُ الصَّبْغِ، وَالْخِيَاطَةِ وَلَتِّ السَّوِيقِ بِالسَّمْنِ -، أَوْ جَارِيَةً عَلِقَتْ مِنْهُ، أَوْ قُطْنًا فَغَزَلَهُ وَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً مُتَوَلِّدَةً مِنْهُ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْفَسْخِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً مِنْهُ كَالْوَلَدِ، وَالْعُقْرِ وَالْأَرْشِ وَلَوْ هَلَكَتْ هَذِهِ الزَّوَائِدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا ضَمِنَ فَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ وَالزَّوَائِدُ قَائِمَةٌ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الزَّوَائِدَ وَيَأْخُذَ مِنْ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الْمَبِيعِ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُنْفَصِلَةً غَيْرَ حَادِثَةٍ مِنْهُ كَالْكَسْبِ، وَالْهِبَةِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ مَعَ الزِّيَادَةِ وَلَا يَطِيبُ لَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا، وَإِنْ هَلَكَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا لَمْ يَضْمَنْهَا أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُهَا، وَإِنْ اسْتَهْلَكَ الْمَبِيعَ وَالزَّوَائِدُ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْمَبِيعِ، وَالزَّوَائِدُ لَهُ لِتَقَرُّرِ ضَمَانِ الْأَصْلِ، وَأَمَّا إذَا انْتَقَصَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَبِيعَ مِنْ أَرْشِ النُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ النُّقْصَانُ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي، أَوْ بِفِعْلِ الْمَبِيعِ، وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ صَارَ مُسْتَرِدًّا وَبَطَلَ عَنْ الْمُشْتَرِي الضَّمَانُ إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ حَبْسٌ عَنْ الْبَائِعِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي نَفَذَ بَيْعُهُ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ فَمَلَكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ وَسَقَطَ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ بِالْبَيْعِ الثَّانِي وَنُقِضَ الْأَوَّلُ بِحَقِّ الشَّرْعِ وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الشَّرْعِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ، وَإِنْ أَجَرَهُ الْمُشْتَرِي صَحَّتْ الْإِجَارَةُ غَيْرَ أَنَّ لِلْبَائِعِ أَنْ يُبْطِلَهَا وَيَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ وَفَسَادُ الْبَيْعِ صَارَ عُذْرًا فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ جَارِيَةً فَزَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ وَالنِّكَاحُ عَلَى حَالِهِ لَا يُفْسَخُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ فَلَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ كَالْإِجَارَةِ إلَّا أَنَّ النِّكَاحَ مِمَّا لَا يُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ فَبَقِيَ بِحَالِهِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ عَقَدَهُ وَهُوَ عَلَى مِلْكِهِ وَلَوْ أَوْصَى بِالْعَبْدِ وَمَاتَ سَقَطَ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ انْتَقَلَ مِنْ مِلْكِهِ إلَى مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ وَهُوَ مِلْكٌ مُبْتَدَأٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ وَلَوْ وُرِثَ الْمَبِيعُ مِنْ الْمُشْتَرِي لَمْ يَسْقُطْ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ وَلِهَذَا يَثْبُتُ لَهُ الْفَسْخُ بِالْعَيْبِ وَكَذَا يُفْسَخُ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْفَسَادِ وَلَوْ وَهَبَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ، أَوْ الثَّوْبَ سَقَطَ حَقُّ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ وَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ فَتَعَذَّرَ الْفَسْخُ كَمَا لَوْ بَاعَهُ فَإِنْ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ، أَوْ رُدَّ عَلَيْهِ الْمَبِيعُ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ فِي الْهِبَةِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ، وَكَذَا إذَا قَضَى عَلَيْهِ الْقَاضِي لِأَجْلِ الْعَيْبِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ مِنْ أَصْلِهِ وَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً شِرَاءً فَاسِدًا، أَوْ قَبَضَهَا وَبَاعَهَا وَرَبِحَ فِيهَا تَصَدَّقَ بِالرِّبْحِ فَإِنْ اشْتَرَى بِثَمَنِهَا شَيْئًا آخَرَ فَرَبِحَ فِيهِ طَابَ لَهُ الرِّبْحُ وَكَذَا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ رَجُلٌ مَالًا وَقَضَاهُ إيَّاهُ، ثُمَّ تَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقَدْ رَبِحَ الْمُدَّعِي فِي الدَّرَاهِمِ يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ، أَوْ بَيْنَ شَاةٍ ذَكِيَّةٍ وَمَيِّتَةٍ بَطَلَ الْبَيْعُ فِيهِمَا جَمِيعًا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا عَلَى حِدَةٍ، أَوْ لَمْ يُسَمِّ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَضَمَّنَتْ صَحِيحًا وَفَاسِدًا، وَالْفَسَادَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ فِي الْجَمِيعِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُمَا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا جَازَ فِي الْعَبْدِ وَالذَّكِيَّةِ وَبَطَلَ فِي الْحُرِّ، وَالْمَيِّتَةِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا فَكَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدٍ وَمُدَبَّرٍ، أَوْ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ صَحَّ فِي الْعَبْدِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ) وَبَطَلَ فِي الْآخَرِ وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ.
وَقَالَ زُفَرُ يَفْسُدُ فِيمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدٍ وَمُدَبَّرٍ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ لَا يَجُوزُ فَصَارَ كَالْحُرِّ وَلَنَا أَنَّ الْمُدَبَّرَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ وَتَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِجَوَازِهِ، وَالْمُكَاتَبُ وَأُمُّ الْوَلَدِ مِثْلُ الْمُدَبَّرِ إذَا ضُمَّ إلَى الْعَبْدِ الْقِنِّ، وَإِذَا بَاعَ عَبْدَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ، أَوْ اُسْتُحِقَّ، أَوْ وُجِدَ مُدَبَّرًا، أَوْ مُكَاتَبًا صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ.
قَوْلُهُ: ({وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّجْشِ وَعَنْ السَّوْمِ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ}) النَّجْشُ بِفَتْحَتَيْنِ وَيُرْوَى بِالسُّكُونِ أَيْضًا وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ وَلَا رَغْبَةَ لَهُ فِيهِ وَلَكِنَّهُ يَحْمِلُ الرَّاغِبَ عَلَى أَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ وَهَذَا النَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا طَلَبَهُ الْمُشْتَرِي بِمِثْلِ قِيمَتِهِ، أَوْ أَكْثَرَ أَمَّا إذَا طَلَبَهُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَزِيدَ فِي ثَمَنِهِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ قِيمَةَ الْمَبِيعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَغْبَةٌ فِيهِ، وَأَمَّا السَّوْمُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ فَهُوَ أَنْ يَتَسَاوَمَ الرَّجُلَانِ فِي السِّلْعَةِ وَيَطْمَئِنَّ قَلْبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا سَمَّى مِنْ الثَّمَنِ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْعَقْدُ فَعَارَضَهُ شَخْصٌ آخَرُ فَاشْتَرَاهُ أَمَّا إذَا كَانَ قَلْبُ الْبَائِعِ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ بِمَا سَمَّى مِنْ الثَّمَنِ وَلَمْ يَجْنَحْ إلَيْهِ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعُ مَنْ يَزِيدُ.
قَوْلُهُ: (وَعَنْ تَلَقِّي الْجَلَبِ وَبَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي) وَصُورَةُ تَلَقِّي الْجَلَبِ أَنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ؛ إذْ سَمِعَ بِمَجِيءِ قَافِلَةٍ مَعَهُمْ طَعَامٌ وَأَهْلُ الْمِصْرِ فِي قَحْطٍ وَغَلَاءٍ فَيَخْرُجُ يَتَلَقَّاهُمْ وَيَشْتَرِي مِنْهُمْ جَمِيعَ طَعَامِهِمْ وَيَدْخُلُ بِهِ الْمِصْرَ وَيَبِيعُهُ عَلَى مَا يُرِيدُ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ تَرَكَهُمْ حَتَّى دَخَلُوا بَاعُوا عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ مُتَفَرِّقًا تَوَسَّعَ أَهْلُ الْمِصْرِ بِذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ أَهْلُ الْمِصْرِ لَا يَتَضَرَّرُونَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: صُورَتُهُ أَنْ يَتَلَقَّاهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ فَيَشْتَرِيَ مِنْهُمْ بِأَرْخَصَ مِنْ سِعْرِ الْمِصْرِ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِسِعْرِ أَهْلِ الْمِصْرِ فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ فِي الْحُكْمِ وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُمْ سَوَاءٌ تَضَرَّرَ بِهِ أَهْلُ الْمِصْرِ، أَوْ لَا، وَأَمَّا بَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي فَهُوَ أَنَّهُ إذَا وَصَلَ الْجَالِبُ بِالطَّعَامِ لَقِيَهُ الْحَاضِرُ وَقَالَ لَهُ: سَلِّمْ إلَيَّ طَعَامَك لَا تَوَثُّقَ لَك فِي بَيْعِهِ فَيَتَوَفَّرُ عَلَيْك ثَمَنُهُ وَقِيلَ مَعْنَى بَيْعِ الْحَاضِرِ مِنْ الْبَادِي وَهُوَ أَنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ إذَا كَانَ لَهُ طَعَامٌ، أَوْ عَلَفٌ، أَوْ أَهْلُ الْمِصْرِ فِي قَحْطٍ وَهُوَ لَا يَبِيعُهُ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ وَلَكِنَّهُ يَبِيعُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ بِثَمَنٍ غَالٍ فَهَذَا مَكْرُوهٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ أَهْلُ الْمِصْرِ فِي سَعَةٍ وَلَا يَتَضَرَّرُونَ بِذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ.
قَوْلُهُ: (وَعَنْ الْبَيْعِ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ) يَعْنِي الْأَذَانَ الْأَوَّلَ بَعْدَ الزَّوَالِ.
قَوْلُهُ: (وَكُلُّ ذَلِكَ يُكْرَهُ) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ قَوْلِهِ وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّجْشِ إلَى هُنَا.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ) حَتَّى إنَّهُ يَجِبُ الثَّمَنُ دُونَ الْقِيمَةِ وَيَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ قَبْلَ الْقَبْضِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ مَلَكَ مَمْلُوكَيْنِ صَغِيرَيْنِ أَحَدُهُمَا ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْآخَرِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَبِيرًا، وَالْآخَرُ صَغِيرًا) لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا إلَى أَنْ يَبْلُغَ الْغُلَامُ وَتَحِيضَ الْجَارِيَةُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ لَفْظَ " مَلَكَ " لِيَتَنَاوَلَ وُجُوهَ الْمِلْكِ مِنْ الْهِبَةِ وَالشِّرَاءِ، وَالْإِرْثِ، وَالْوَصِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ يَسْتَأْنِسُ بِالصَّغِيرِ، وَالْكَبِيرَ يَتَعَاهَدُهُ فَكَانَ فِي بَيْعِ أَحَدِهِمَا قَطْعُ الِاسْتِئْنَاسِ، وَالْمَنْعُ مِنْ التَّعَاهُدِ، وَفِيهِ تَرْكُ الْمَرْحَمَةِ عَلَى الصِّغَارِ، ثُمَّ الْمَنْعُ مَعْلُولٌ بِالْقَرَابَةِ الْمُحَرِّمَةِ لِلنِّكَاحِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ فِيهِ مَحْرَمٌ غَيْرُ قَرِيبٍ وَلَا قَرِيبٌ غَيْرُ مَحْرَمٍ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجَانِ حَتَّى جَازَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا وَكُلُّ مَا يُكْرَهُ مِنْ التَّفْرِيقِ فِي الْبَيْعِ فَكَذَا يُكْرَهُ فِي الْقِسْمَةِ فِي الْمِيرَاثِ، وَالْغَنَائِمِ وَلَوْ اجْتَمَعَ فِي مِلْكِهِ صَغِيرٌ وَكَبِيرَانِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الصَّغِيرِ إنْ كَانَتْ قَرَابَةُ أَحَدِهِمَا أَقْرَبَ إلَى الصَّغِيرِ مِنْ الْآخَرِ نَحْوُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَبًا، وَالْآخَرُ جَدًّا، أَوْ أَحَدُهُمَا أُمًّا، وَالْآخَرُ جَدَّةً، أَوْ أَحَدُهُمَا أَخًا لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَالْآخَرُ أَخًا لِأَبٍ، أَوْ لِأُمٍّ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ الْأَبْعَدَ مِنْهُمَا، أَوْ يَبِيعَ الصَّغِيرَ مَعَ الْأَقْرَبِ.
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قَرَابَتُهُمَا إلَى الصَّغِيرِ سَوَاءٌ نَحْوُ أَنْ يَكُونَ كِلَاهُمَا أَخَوَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، أَوْ كِلَاهُمَا أَخَوَيْنِ لِأَبٍ، أَوْ كِلَاهُمَا أَخَوَيْنِ لِأُمٍّ، أَوْ عَمَّيْنِ، أَوْ خَالَيْنِ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَبِيعَ أَحَدَهُمَا؛ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَوَاءٌ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَ الْكَبِيرَيْنِ وَلَوْ كَانَتْ قَرَابَةُ الْكَبِيرَيْنِ إلَى الصَّغِيرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَقَرَابَتُهُمَا إلَيْهِ سَوَاءً نَحْوُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَبٌ وَأُمٌّ، أَوْ أَخٌ لِأُمٍّ، أَوْ خَالٌ وَعَمٌّ فَاَلَّذِي يُدْلِي بِقَرَابَةِ الْأُمِّ قَامَ مَقَامَ الْأُمِّ وَاَلَّذِي يُدْلِي بِالْأَبِ كَالْأَبِ، وَإِذَا كَانَ لِلصَّغِيرِ أَبٌ وَأُمٌّ وَاجْتَمَعُوا فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَكَذَا هُنَا وَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ عَمَّةٌ وَخَالَةٌ، أَوْ أُمُّ أَبٍ وَأُمُّ أُمٍّ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمَا.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَجَازَ الْبَيْعُ) وَيَأْثَمُ (فَإِنْ كَانَا كَبِيرَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا).
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْبَيْعُ بَاطِلٌ فِي الْوَالِدَيْنِ وَجَائِزٌ فِي الْأَخَوَيْنِ، ثُمَّ التَّفْرِيقُ إذَا كَانَ لِمَعْنًى فِيهِمَا فَلَا بَأْسَ بِهِ مِثْلُ أَنْ يَجْنِيَ أَحَدُهُمَا جِنَايَةً فِي بَنِي آدَمَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْفَعَ الْجَانِيَ مِنْهُمَا وَيُمْسِكَ الْآخَرَ، وَإِنْ حَصَلَ فِيهِ التَّفْرِيقُ وَكَذَا لَوْ اسْتَهْلَكَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَالًا لِإِنْسَانٍ فَإِنَّهُ يُبَاحُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ يُؤَدِّي إلَى التَّفْرِيقِ وَكَذَا إذَا اشْتَرَاهُمَا فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرُدُّهُمَا جَمِيعًا، أَوْ يُمْسِكُهُمَا جَمِيعًا وَلَا يَرُدُّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً وَلَا بَأْسَ أَنْ يُكَاتِبَ أَحَدَهُمَا، أَوْ يُعْتِقَهُ عَلَى مَالٍ، أَوْ عَلَى غَيْرِ مَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا تَفْرِيقَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ، أَوْ الْمُعْتَقَ يَصِيرُ أَحَقَّ بِنَفْسِهِ فَيَدُورُ حَيْثُ مَا دَارَ صَاحِبُهُ.

.(بَابُ الْإِقَالَةِ):

الْإِقَالَةُ فِي اللُّغَةِ هِيَ الرَّفْعُ، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْعَقْدِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (الْإِقَالَةُ جَائِزَةٌ فِي الْبَيْعِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ)؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ حَقُّهُمَا فَيَمْلِكَانِ رَفْعَهُ وَخَصَّ الْبَيْعَ لِأَنَّ النِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ، وَالْعَتَاقَ لَا يَقْبَلُهَا وَتَصِحُّ بِلَفْظَيْنِ يُعَبِّرُ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْمَاضِي، وَالْآخَرِ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ مِثْلَ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْضُرُهُمَا الْمُسَاوَمَةُ كَالنِّكَاحِ وَهَذَا قَوْلُهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تَصِحُّ إلَّا بِلَفْظَيْنِ مَاضِيَيْنِ كَالْبَيْعِ وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِعْنِي مَا اشْتَرَيْت مِنِّي بِكَذَا فَقَالَ بِعْت فَهُوَ بَيْعٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُ الْبَيْعِ وَلَا يَصِحُّ قَبُولُ الْإِقَالَةِ إلَّا فِي الْمَجْلِسِ كَمَا فِي الْبَيْعِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ شَرَطَ أَكْثَرَ مِنْهُ، أَوْ أَقَلَّ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ) هَذَا إذَا لَمْ يَدْخُلْهُ عَيْبٌ أَمَّا إذَا تَعَيَّبَ جَازَتْ الْإِقَالَةُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمُقَابَلَةِ الْعَيْبِ وَلَا يَجُوزُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنْ أَقَالَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ فَهِيَ بِالثَّمَنِ لَا غَيْرُ.
قَوْلُهُ: (وَهِيَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ) فِي هَذَا تَفْصِيلٌ إنْ كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهِيَ فَسْخٌ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ.
فَهِيَ فَسْخٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هِيَ بَيْعٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَتْ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ، أَوْ بِأَقَلَّ فَهِيَ فَسْخٌ، وَإِنْ كَانَتْ بِأَكْثَرَ، أَوْ بِجِنْسٍ آخَرَ فَهِيَ بَيْعٌ وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّهَا بَيْعٌ فِي حَقِّ الْغَيْرِ سَوَاءٌ كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ، أَوْ بَعْدَهُ.
وَقَالَ زُفَرُ هِيَ فَسْخٌ فِي حَقِّهِمَا وَحَقِّ الْغَيْرِ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ تَكُونُ فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا وَهِيَ عَقْدٌ وَاحِدٌ فَنَقُولُ لَا يَمْتَنِعُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي أُصُولِ الشَّرْعِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ وَلِهَذَا تَثْبُتُ فِيهَا الشُّفْعَةُ وَهِيَ فِي مَعْنَى الْهِبَةِ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْقَبْضِ فِيهَا كَمَا يُعْتَبَرُ فِي الْهِبَةِ فَكَذَا الْإِقَالَةُ وَيُقَالُ إنَّمَا جُعِلَتْ فَسْخًا فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَمَلًا بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ؛ لِأَنَّ لَفْظَهَا يُنْبِئُ عَنْ الْفَسْخِ وَالرَّفْعِ، وَإِنَّمَا جُعِلَتْ بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا عَمَلًا بِمَعْنَى الْإِقَالَةِ لَا بِلَفْظِهَا؛ لِأَنَّهَا فِي الْمَعْنَى مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي وَهَذَا حَدُّ الْبَيْعِ فَاعْتَبَرْنَا اللَّفْظَ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَاعْتَبَرْنَا الْمَعْنَى فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْكَسْ بِأَنْ يُعْتَبَرَ اللَّفْظُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا، وَالْعَمَلُ بِالْمَعْنَى فِي حَقِّهِمَا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ قَائِمٌ بِالْمُتَعَاقِدِينَ، وَاللَّفْظُ لَفْظُ الْفَسْخِ، فَاعْتَبَرْنَا جَانِبَ اللَّفْظِ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِقِيَامِ اللَّفْظِ بِهِمَا، وَإِذَا اعْتَبَرْنَا لَفْظَ الْفَسْخِ بِهِمَا تَعَيَّنَ الْعَمَلُ بِالْمَعْنَى فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا لَا مَحَالَةَ لِلْعَمَلِ بِالشَّبَهَيْنِ وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ " فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ " تَظْهَرُ فِي خَمْسِ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ رَدُّ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَمَا سَمَّيَا عِنْدَ الْإِقَالَةِ بِخِلَافِهِ بَاطِلٌ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْإِقَالَةَ لَا يُبْطِلُهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَفَسَدَتْ، وَالثَّالِثَةُ إذَا تَقَايَلَا وَلَمْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ مِنْ الْمُشْتَرِي حَتَّى بَاعَهُ مِنْهُ ثَانِيًا جَازَ الْبَيْعُ وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَكَانَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا بَيْعٌ جَدِيدٌ وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ غَيْرَ مَنْقُولٍ كَالْعَقَارِ يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي أَيْضًا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَالرَّابِعَةُ إذَا وَهَبَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ مِنْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالِاسْتِرْدَادِ فَالْهِبَةُ جَائِزَةٌ وَصَارَ الْمَبِيعُ لِلْمُشْتَرِي بِالْهِبَةِ وَلَا تَبْطُلُ الْإِقَالَةُ فَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا فَوَهَبَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ فَقَبِلَهُ الْبَائِعُ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ يَعْنِي إذَا وَهَبَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ لِلْبَائِعِ فَقَبِلَهُ الْبَائِعُ انْفَسَخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا، وَالْخَامِسَةُ لَوْ كَانَ كَيْلِيًّا، أَوْ وَزْنِيًّا وَقَدْ بَاعَهُ مُكَايَلَةً، أَوْ مُوَازَنَةً فَتَقَايَلَا وَاسْتَرَدَّ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ مِنْ غَيْرِ كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ صَحَّ قَبْضُهُ وَلَوْ كَانَ بَيْعًا لَمَا صَحَّ قَبْضُهُ بِغَيْرِ كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ بَلْ كَانَ يَلْزَمُهُ إعَادَتُهُمَا وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ " بَيْعٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا " لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَقَارًا فَسَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ ثُمَّ تَقَايَلَا وَعَادَ الْمَبِيعُ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فَطَلَبَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ فِي الْإِقَالَةِ فَلَهُ ذَلِكَ لِكَوْنِهَا بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ صَرْفًا فَالتَّقَابُضُ مِنْ كِلَا الْجَانِبَيْنِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْإِقَالَةِ فَيُجْعَلُ فِي حَقِّ الشَّرْطِ كَبَيْعٍ جَدِيدٍ وَكَذَا لَوْ وَهَبَ الرَّجُلُ شَيْئًا وَقَبَضَهُ وَلَمْ يُعَوِّضْهُ حَتَّى بَاعَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مِنْ آخَرَ، ثُمَّ تَقَايَلَا لَيْسَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ عَلَى الْبَائِعِ وَصَارَ كَأَنَّ الْبَائِعَ اشْتَرَاهَا فِي حَقِّ الْوَاهِبِ.
قَوْلُهُ: (وَهَلَاكُ الثَّمَنِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقَالَةِ وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ يَمْنَعُ مِنْهَا)؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْبَيْعِ يَسْتَدْعِي قِيَامَهُ وَهُوَ قَائِمٌ بِالْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ وَقَوْلُهُ: وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ يَمْنَعُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ بَقِيَ الثَّمَنُ وَالثَّمَنُ لَا يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ، وَإِذَا بَقِيَ مَا لَا يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ وَهَلَكَ مَا يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ لَمْ يَبْقَ هُنَاكَ عَقْدٌ فَلَا مَعْنَى لِرَفْعِهِ، وَإِذَا تَبَايَعَا عَيْنًا بِعَيْنٍ مِمَّا يَتَعَيَّنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَقْدِ وَتَقَابَضَا، ثُمَّ هَلَكَ أَحَدُهُمَا فِي يَدِ مُشْتَرِيهِ، ثُمَّ تَقَايَلَا فَالْإِقَالَةُ صَحِيحَةٌ وَعَلَى مُشْتَرِي الْهَالِكِ قِيمَتُهُ، أَوْ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَيُسَلِّمُهُ إلَى صَاحِبِهِ وَيَسْتَرِدُّ الْعَيْنَ مِنْهُ وَكَذَا لَوْ تَقَايَلَا، وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِمَا قَائِمَانِ، ثُمَّ هَلَكَ أَحَدُهُمَا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ هَلَكَ بَعْضُ الْمَبِيعِ جَازَتْ الْإِقَالَةُ فِي بَاقِيهِ) لِقِيَامِ الْبَيْعِ فِيهِ وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا فَقُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَأَخَذَ أَرْشَهَا، ثُمَّ تَقَايَلَا رَدَّ الثَّمَنَ كُلَّهُ وَأَخَذَ الْعَبْدَ وَلَا شَيْءَ لِلْبَائِعِ مِنْ أَرْشِ الْيَدِ وَيَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

.(بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ):

الْبَيْعُ عَلَى ضَرْبَيْنِ بَيْعِ مُسَاوَمَةٍ وَبَيْعِ ضَمَانٍ، فَبَيْعُ الْمُسَاوَمَةِ هُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْبِيَاعَاتِ وَبَيْعُ الضَّمَانِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ: بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ، وَبَيْعُ الْمُوَاضَعَةِ، وَبَيْعُ التَّوْلِيَةِ وَالتَّوْلِيَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ تَوْلِيَةِ الْكُلِّ وَتَوْلِيَةِ الْبَعْضِ، فَتَوْلِيَةُ الْكُلِّ تَوْلِيَةٌ وَتَوْلِيَةُ الْبَعْضِ اشْتِرَاكٌ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (الْمُرَابَحَةُ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مَعَ زِيَادَةِ رِبْحٍ) اعْلَمْ أَنَّ فِي كُلِّ قَيْدٍ مِنْ هَذِهِ الْقُيُودِ اعْتِرَاضًا فَقَوْلُهُ: نَقْلُ مَا مَلَكَهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مِنْ الْعُرُوضِ؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الدَّنَانِيرَ بِالدَّنَانِيرِ، أَوْ الدَّرَاهِمَ بِالدَّرَاهِمِ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ مُرَابَحَةً وَقَوْلُهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ مِنْ حَقِّهِ أَيْ يُقَالُ: نَقْلُ مَا مَلَكَهُ مِنْ السِّلَعِ بِمَا مَلَكَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعَقْدُ فِيمَا مَلَكَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ غَصَبَ عَبْدًا وَأَبَقَ مِنْ يَدِ الْغَاصِبِ وَقَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ، ثُمَّ عَادَ الْعَبْدُ فَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَبِيعَ الْعَبْدَ مُرَابَحَةً عَلَى الْقِيمَةِ الَّتِي أَدَّاهَا وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَقْدٌ وَقَوْلُهُ: بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُقَالَ بِمَا قَامَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ضَمَّ أُجْرَةَ الْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ وَالطِّرَازِ جَازَ وَهَذَا إذَا جُمِعَ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ.
قَوْلُهُ: (وَالتَّوْلِيَةُ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ رِبْحٍ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ {أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اشْتَرَى بَعِيرَيْنِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِّنِي أَحَدَهُمَا فَقَالَ هُوَ لَك بِغَيْرِ ثَمَنٍ فَقَالَ أَمَّا بِغَيْرِ ثَمَنٍ فَلَا}.
قَوْلُهُ: (وَلَا تَصِحُّ الْمُرَابَحَةُ وَلَا التَّوْلِيَةُ حَتَّى يَكُون الْعِوَضُ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ كَالْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ مِثْلٌ قَدَرَ الْمُشْتَرِي عَلَى تَسْلِيمِهِ.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ أَنْ يُضِيفَ إلَى رَأْسِ الْمَالِ أُجْرَةَ الْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ وَالطِّرَازِ، وَالْفَتَّالِ وَأُجْرَةَ حَمْلِ الطَّعَامِ) الْفَتْلُ هُوَ مَا يَصْنَعُونَهُ فِي أَطْرَافِ الثِّيَابِ بِحَرِيرٍ، أَوْ كَتَّانٍ وَيَجُوزُ أَنْ يُضِيفَ أَيْضًا أُجْرَةَ الْخَيَّاطِ، وَالْغَسَّالِ وَالسِّمْسَارِ وَهُوَ غَيْرُ الدَّلَّالِ وَأُجْرَةَ سَائِقِ الْغَنَمِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان، وَلَا يُضِيفُ أُجْرَةَ رَاعِي الْغَنَمِ وَيَضُمُّ نَفَقَةَ الرَّقِيقِ وَكِسْوَتَهُمْ وَعَلَفَ الْحَيَوَانِ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ أَسْرَفَ فِيهِ يَضُمُّ قَدْرَ الْمَعْرُوفِ دُونَ الزِّيَادَةِ وَلَا يَضُمُّ نَفَقَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي سَفَرِهِ وَلَا مَا أَنْفَقَ عَلَى الرَّقِيقِ فِي تَعْلِيمِ عَمَلٍ، أَوْ فِي تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَلَا أُجْرَةَ الْبَيْطَارِ، وَالْخَتَّانِ وَالرَّابِضِ، وَجُعْلَ الْآبِقِ، وَالْفِدَاءِ فِي الْجِنَايَةِ، وَأُجْرَةَ الْبَيْتِ الَّذِي يَحْفَظُ فِيهِ وَلَوْ اشْتَرَى دَجَاجَةً فَبَاضَتْ عِنْدَهُ ثَلَاثِينَ بَيْضَةً فَبَاعَ الْبَيْضَ بِدِرْهَمٍ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ الدَّجَاجَةَ مُرَابَحَةً إنْ كَانَ أَنْفَقَ عَلَيْهَا مِثْلَ ثَمَنِ الْبَيْضِ جَازَ لَهُ أَنْ يُضِيفَ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ ثَمَنَ الْبَيْضِ عِوَضًا عَمَّا أَنْفَقَ، وَإِنْ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا مُرَابَحَةً.
قَوْلُهُ: (وَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا وَلَا يَقُولُ اشْتَرَيْته بِكَذَا) لِئَلَّا يَكُونَ كَاذِبًا وَلَوْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِدَرَاهِمَ جِيَادٍ فَرَضِيَ الْبَائِعُ بِأَخْذِ الزُّيُوفِ عَنْهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً عَلَى الْجِيَادِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى خِيَانَةٍ فِي الْمُرَابَحَةِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ) يَعْنِي إذَا كَانَ بِحَالٍ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، وَالِاطِّلَاعُ عَلَى الْخِيَانَةِ إمَّا بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ، أَوْ بِالْبَيِّنَةِ، أَوْ بِنُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ، وَإِنَّمَا أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْخِيَانَةَ فِي الْمُرَابَحَةِ لَا تُخْرِجُ الْعَقْدَ عَنْ مَوْضُوعِهِ وَلَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِخُرُوجِ الْمَبِيعِ مِنْ يَدِهِ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِجُمْلَةٍ سَمَّاهَا مِنْ الثَّمَنِ فَلَا يَخْرُجُ بِأَقَلَّ مِنْهَا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ اطَّلَعَ عَلَى خِيَانَةٍ فِي التَّوْلِيَةِ أَسْقَطَهَا مِنْ الثَّمَنِ) لِأَنَّ الْخِيَانَةَ فِي التَّوْلِيَةِ تُخْرِجُ الْعَقْدَ عَنْ مَوْضُوعِهِ لِأَنَّهُمَا دَخَلَا فِي عَقْدِ التَّوْلِيَةِ فَلَوْ نَفَيْنَا الْخِيَانَةَ كَانَ عَقْدَ مُرَابَحَةٍ وَذَلِكَ ضِدُّ مَا قَصَدَاهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحُطَّ الْخِيَانَةَ فِي التَّوْلِيَةِ لَا تَبْقَى تَوْلِيَةً، وَفِي الْمُرَابَحَةِ إذَا لَمْ تُحَطَّ تَبْقَى مُرَابَحَةً، وَإِنْ كَانَ يَتَفَاوَتُ الرِّبْحُ فَلَا يَتَغَيَّرُ عَنْ مَوْضُوعِهِ فَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ، أَوْ حَدَثَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحُطُّ فِيهِمَا) قِيَاسًا عَلَى التَّوْلِيَةِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَحُطُّ فِيهِمَا وَلَهُ الْخِيَارُ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِخُرُوجِ الْمَبِيعِ مِنْ مِلْكِهِ إلَّا بِجُمْلَةٍ سَمَّاهَا فَلَا يَخْرُجُ بِأَقَلَّ مِنْهَا فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَصُورَةُ الْخِيَانَةِ فِي الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِتِسْعَةٍ وَقَبَضَهُ، ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ اشْتَرَيْته بِعَشَرَةٍ فَوَلَّيْتُك بِمَا اشْتَرَيْته، أَوْ بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَشَرَةً بِأَحَدَ عَشَرَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِيهِمَا: لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارٌ وَيَلْزَمُهُ الْبَيْعُ وَلَكِنْ يَرْجِعُ فِي التَّوْلِيَةِ بِالْخِيَانَةِ وَهِيَ دِرْهَمٌ، وَفِي الْمُرَابَحَةِ بِالْخِيَانَةِ وَحِصَّتُهَا مِنْ الرِّبْحِ وَهِيَ دِرْهَمٌ وَعُشْرُ دِرْهَمٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِيهِمَا جَمِيعًا: الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَحَلًّا لِلْفَسْخِ، وَإِلَّا بَطَلَ خِيَارُهُ وَلَزِمَهُ جَمِيعُ الثَّمَنُ وَأَبُو حَنِيفَةَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ فِي الْمُرَابَحَةِ مِثْلَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَفِي التَّوْلِيَةِ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَبَيَانُ الْحَطِّ فِي الْمُرَابَحَةِ إذَا بَاعَ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ عَلَى رِبْحِ خَمْسَةٍ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِثَمَانِيَةٍ فَإِنَّهُ يَحُطُّ قَدْرَ الْخِيَانَةِ مِنْ الْأَصْلِ وَهُوَ الْخُمُسُ وَذَلِكَ دِرْهَمَانِ وَمَا قَابَلَهُ مِنْ الرِّبْحِ وَهُوَ دِرْهَمٌ فَيَأْخُذُ الثَّوْبَ بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَلَوْ اشْتَرَى سِلْعَةً مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ مِنْ الْوَالِدَيْنِ، وَالْمَوْلُودِينَ وَالزَّوْجَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُبَيِّنَ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ تُهْمَةٌ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَجْعَلُ مَالَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَالِ صَاحِبِهِ وَلِأَنَّهُ يُحَابِيهِمْ فَصَارَ كَالشِّرَاءِ مِنْ عَبْدِهِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى مِنْ مُكَاتَبِهِ، أَوْ مُدَبَّرِهِ، أَوْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ - سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، أَوْ لَا، - أَوْ مَمَالِيكُهُ اشْتَرَوْا مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ، وَإِنْ اشْتَرَى مِنْ مُضَارِبِهِ، أَوْ اشْتَرَى مُضَارِبُهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ وَحِصَّةُ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ نَحْوُ أَنْ يَكُون مَعَ الْمُضَارِبِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهَا ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ أَيْ بِأَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ وَهُوَ عَشَرَةٌ، وَحِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ وَذَلِكَ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ وَلَوْ اشْتَرَى بِنَسِيئَةٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِمَّا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ) مُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ أَنَّ الْمُرَابَحَةَ إنَّمَا تَصِحُّ بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَا تَصِحُّ قَبْلَهُ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ وَلَمْ يَقُلْ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ لِتَقَعَ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الِاتِّفَاقِ فَإِنَّهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالرَّهْنُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ فَكَانَ عَدَمُ جَوَازِ الْبَيْعِ عَلَى الِاتِّفَاقِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَالْإِجَارَةُ، وَالْمُرَابَحَةُ وَالتَّوْلِيَةُ لَا تَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ، وَالْعِتْقُ وَالتَّدْبِيرُ، وَإِقْرَارُهُ بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ يَجُوزُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِالِاتِّفَاقِ، وَفِي الْكِتَابَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُبَادَلَةٍ كَالْبَيْعِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ تَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا أَوْسَعُ مِنْ الْبَيْعِ جَوَازًا، وَإِنْ زَوَّجَ جَارِيَتَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ جَازَ وَلَوْ جَعَلَ الْمَنْقُولَ أُجْرَةً فَتَصَرَّفَ الْمُؤَجِّرُ فِيهَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا اشْتَرَى مَنْقُولًا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا مِنْ بَائِعِهِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ فَإِنْ بَاعَهُ فَالْبَيْعُ الثَّانِي بَاطِلٌ، وَالْبَيْعُ الْأَوَّلُ عَلَى حَالِهِ جَائِزٌ وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ الْبَائِعِ فَقَبِلَهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَلَوْ وَهَبَهُ مِنْ الْبَائِعِ فَقَبِلَهُ بَطَلَ الْبَيْعُ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْإِقَالَةِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْهِبَةَ بَطَلَتْ، وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ عَلَى حَالِهِ.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) لِأَنَّ الْعَقَارَ فِي مَحَلِّ قَبْضِهِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَجْدِيدِ قَبْضٍ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فِي يَدِ نَفْسِهِ وَكَانَ مَقْبُوضًا فِي يَدِهِ عَلَى وَجْهٍ مَضْمُونٍ كَالْغَصْبِ وَنَحْوِهِ أَمَّا إذَا كَانَ مَقْبُوضًا عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ كَالْعَارِيَّةِ وَنَحْوِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ الْقَبْضِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ) اعْتِبَارًا بِالْمَنْقُولِ وَصَارَ كَالْإِجَارَةِ، وَالْإِجَارَةُ لَا تَجُوزُ قَبْلَ الْقَبْضِ إجْمَاعًا عَلَى الصَّحِيحِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ اشْتَرَى مَكِيلًا مُكَايَلَةً، أَوْ مَوْزُونًا مُوَازَنَةً فَاكْتَالَهُ، أَوْ اتَّزَنَهُ، ثُمَّ بَاعَهُ مُكَايَلَةً، أَوْ مُوَازَنَةً لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَلَا يَتَصَرَّفَ فِيهِ وَلَا يَأْكُلَهُ حَتَّى يُعِيدَ الْكَيْلَ، أَوْ الْوَزْنَ فِيهِ ثَانِيًا) لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ صَاعُ الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي} وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الشَّرْطِ وَذَلِكَ لِلْبَائِعِ، وَالتَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْغَيْرِ حَرَامٌ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ مُجَازَفَةً؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَهُ وَلَا يُعْتَبَرُ بِكَيْلِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ صَاعَ الْبَائِعِ، وَالْمُشْتَرِي وَهُوَ الشَّرْطُ، وَلَا يَكِيلُهُ بَعْدَ الْبَيْعِ بِغَيْبَةِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ مِنْ بَابِ التَّسْلِيمِ وَلَا تَسْلِيمَ إلَّا بِحَضْرَتِهِ، وَإِنْ كَالَهُ الْبَائِعُ بَعْدَ الْبَيْعِ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي فَقَدْ قِيلَ لَا يُكْتَفَى بِهِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ صَاعَيْنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ صَارَ مَعْلُومًا بِكَيْلٍ وَاحِدٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قُيُودٌ يَقَعُ بِهَا الِاحْتِرَازُ عَنْ مَسَائِلَ أُخَرَ، قَيَّدَ بِالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَلَك مَكِيلًا، أَوْ مَوْزُونًا بِالْهِبَةِ، أَوْ بِالْمِيرَاثِ، أَوْ بِالْوَصِيَّةِ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَبْلَ الْكَيْلِ، وَالْوَزْنِ وَقَدْ يَكُونُ الْمَكِيلُ، أَوْ الْمَوْزُونُ مَبِيعًا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ ثَمَنًا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ مُكَايَلَةً حَتَّى لَوْ بَاعَهُ مُجَازَفَةً جَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْكَيْلِ وَقَوْلُهُ: فَاكْتَالَهُ، أَوْ اتَّزَنَهُ أَيْ كَالَ لِنَفْسِهِ، أَوْ وَزَنَ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ بَاعَهُ مُكَايَلَةً أَيْ، ثُمَّ بَاعَ الْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْكَيْلِ أَيْضًا مَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْكَيْلِ وَقَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ أَيْ لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يُعِيدَ الْكَيْلَ لِنَفْسِهِ كَمَا كَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فَإِنْ كَالَهُ لِنَفْسِهِ حِينَ اشْتَرَاهُ لَمْ يَكْفِ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَيْلَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَالتَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ) وَكَذَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَبَدَلِ الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَقَدْ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: إنَّ الْقَرْضَ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَزِيدَ الْبَائِعً فِي الثَّمَنِ وَيَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَزِيدَ لِلْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَلْحَقُ ذَلِكَ بِالْعَقْدِ وَيَكُونُ هِبَةً مُبْتَدَأَةً إنْ قَبَضَهَا صَحَّتْ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا بَطَلَتْ لَنَا أَنَّ الْعَقْدَ فِي مِلْكِهِمَا بِدَلِيلِ جَوَازِ الْفَسْخِ فِيهِ فَجَازَ إلْحَاقُ الزِّيَادَةِ بِهِ كَحَالِ الْعَقْدِ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ يَقَعُ عَلَى جَارِيَةٍ فَتَلِدُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَدْخُلُ وَلَدُهَا فِي الْمَبِيعِ، وَإِذَا جَازَ إلْحَاقُ الزِّيَادَةِ بِغَيْرِ تَرَاضٍ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ فَلَأَنْ يَجُوزَ مَعَ التَّرَاضِي أَوْلَى فَإِنْ زِيدَ فِي الْمَبِيعِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا يَجُوزُ الشِّرَاءُ بِهِ فَقَبِلَ الْآخَرُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا الزِّيَادَةُ بَاطِلَةٌ، وَالْعَقْدُ بِحَالِهِ، وَإِنْ زَادَ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ، أَوْ بَعْدَ عِتْقِهِ، أَوْ تَدْبِيرِهِ، أَوْ اسْتِيلَادِ الْأَمَةِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا زَادَ فِي مَهْرِ امْرَأَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهَا عِنْدَهُ يَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ.
وَفِي الْهِدَايَةِ لَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمْ يَبْقَ عَلَى حَالَةٍ يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ - يَعْنِي بِذَلِكَ الزِّيَادَةَ فِي الثَّمَنِ - أَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ فَفِي الْبَقَّالِيِّ يَجُوزُ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ أَنْ يَحُطَّ مِنْ الثَّمَنِ) وَلَوْ حَطَّ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ جَازَ إجْمَاعًا.
قَوْلُهُ: (وَيَتَعَلَّقُ الِاسْتِحْقَاقُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ) يَعْنِي أَنَّ الزِّيَادَةَ تَلْحَقُ بِالْمَزِيدِ عَلَيْهِ فَيَصِيرُ مَعَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ عِوَضًا لِمَا يُقَابِلُهَا مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمَعْقُودَ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَرَدَ عَلَيْهِمَا وَبَيَانُهُ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا: إذَا اشْتَرَى عَشَرَةَ أَثْوَابٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَزَادَ الْبَائِعُ بَعْدَ الْعَقْدِ ثَوْبًا آخَرَ، ثُمَّ اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ فِي إحْدَى الثِّيَابِ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ فِي جَمِيعِهَا وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ هِيَ الْمَعِيبَةُ وَكَذَا الْمُشْتَرِي لَوْ زَادَ الْبَائِعُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَاسْتُحِقَّ كُلُّهَا فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ، وَمِنْهَا أَنَّ الشَّفِيعَ يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ بِمَا بَقِيَ بَعْدَ الْحَطِّ، وَكَذَا الْمُرَابَحَةُ وَالتَّوْلِيَةُ عَلَى الْكُلِّ فِي الزِّيَادَةِ وَعَلَى الْبَاقِي فِي الْحَطِّ وَمِنْهَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِمِائَةٍ، ثُمَّ زَادَهُ الْمُشْتَرِي رِطْلًا مِنْ خَمْرٍ فَقَبِلَهُ الْبَائِعُ صَحَّتْ الزِّيَادَةُ وَيَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ وَلَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ بِثَمَنٍ حَالٍّ، ثُمَّ أَجَّلَهُ أَجَلًا مَعْلُومًا صَارَ مُؤَجَّلًا) لِأَنَّ الثَّمَنَ حَقُّهُ فَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ تَيْسِيرًا عَلَى مَنْ هُوَ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمْلِكُ إبْرَاءَهُ مُطْلَقًا فَكَذَا مُوَقَّتًا وَهَذَا كَثَمَنِ الْبِيَاعَاتِ وَبَدَلِ الْمُسْتَهْلَكَاتِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الدُّيُونَ يَجُوزُ أَنْ تَثْبُتَ مُؤَجَّلَةً ابْتِدَاءً فَجَازَ أَنْ يَطْرَأَ عَلَيْهَا الْأَجَلُ بِخِلَافِ الْقَرْضِ، وَإِنْ أَجَّلَهَا إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ إنْ كَانَتْ الْجَهَالَةُ مُتَفَاحِشَةً كَهُبُوبِ الرِّيَاحِ وَنُزُولِ الْمَطَرِ وَقُدُومِ فُلَانٍ مِنْ سَفَرِهِ، وَإِلَى الْمَيْسَرَةِ فَالتَّأْجِيلُ بَاطِلٌ وَالثَّمَنُ حَالٌّ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَقَارِبَةً كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَالنَّيْرُوزِ، وَالْمِهْرَجَانِ وَقُدُومِ الْحَاجِّ صَحَّ التَّأْجِيلُ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ سَلَمٌ، أَوْ دَيْنٌ سِوَاهُ إلَى أَجَلٍ حَلَّ مَا عَلَيْهِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَوْتَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ يُبْطِلُ الْأَجَلَ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ مِنْ حَقِّهِ وَقَدْ بَطَلَ حَقُّهُ بِمَوْتِهِ، وَمَوْتُ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ لَا يُبْطِلُ الْأَجَلَ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ مِنْ حَقِّ الْمَطْلُوبِ وَهُوَ حَيٌّ وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يُطَالِبُوهُ قَبْلَ الْأَجَلِ.
قَوْلُهُ: (وَكُلُّ دَيْنٍ حَالٍّ إذَا أَجَّلَهُ صَاحِبُهُ صَارَ مُؤَجَّلًا إلَّا الْقَرْضَ فَإِنَّ تَأْجِيلَهُ لَا يَصِحُّ) لِأَنَّهُ اصْطِنَاعُ مَعْرُوفٍ، وَفِي جَوَازِ تَأْجِيلِهِ جَبْرٌ عَلَى اصْطِنَاعِ الْمَعْرُوفِ وَلِأَنَّهُ إعَارَةٌ وَصِلَةٌ فِي الِابْتِدَاءِ حَتَّى تَصِحَّ بِلَفْظِ الْإِعَارَةِ وَلَا يَمْلِكَهُ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ كَالصَّبِيِّ، وَالْوَصِيِّ وَمُعَاوَضَةٌ فِي الِانْتِهَاءِ فَعَلَى اعْتِبَارِ الِابْتِدَاءِ لَا يَلْزَمُ التَّأْجِيلُ فِيهِ أَيْ لِمَنْ أَجَّلَهُ إبْطَالُهُ كَمَا فِي الْإِعَارَةِ؛ إذْ لَا إجْبَارَ فِي التَّبَرُّعِ وَعَلَى اعْتِبَارِ الِانْتِهَاءِ لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ نَسِيئَةً وَهُوَ رِبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.